الحِلم… سعة صدر تحفظ القلب من الغضب والتسرّع.
والأناة… بصيرةٌ تعصم من قرارات العجلة وزلاّت الطريق.
هذا الصباح، تواصلت مع صديق عزيز عبر الهاتف، نحادث بعضنا قبل أن تزدحم الحياة. كانت المكالمة أشبه بمجلس “المِشراق” الذي اعتاد عليه آباؤنا وأجدادنا؛ يتبادلون فيه الأحاديث قبل أن يتوجّه كل واحد منهم إلى حقله وبستانه.
وفي حديثنا المشراقي ذاك، أنار صديقي المكالمة بذكر حديث للنبي ﷺ:
«إن فيك خلتين يحبهما الله: الحِلم والأناة».
توقفت عندها طويلاً… نعم، نحن غالباً ما نُدفع من حيث لا ندري لنستيقظ على أصوات تحثّنا على الركض خلف الحياة، وكأننا آلات لا تعرف السكون: أيقظ قواك الخفية، اعمل أكثر لتنال أكثر… حتى نكاد نُساق إلى طاحونة لا تنتهي، نطحن فيها أعمارنا وأعصابنا، ثم نكتشف أن الرزق مقدَّر، لا يزيده لهاث ولا ينقصه تأنٍّ.
كنتُ في حاجة إلى مثل هذا الحديث، يذكّرني أن القيمة الحقيقية ليست في الإنجاز الصاخب، بل في أن أكون هادئاً، متأنياً، رحيمًا بنفسي وبالآخرين.
كل صباح يمنحنا خياراً: أن نركض حتى نحترق، أو أن نتمهّل حتى نطمئن. والرزق سيأتي بقدر الله، لكن الطمأنينة لا تُمنح إلا لمن تعلّم أن يعيش بالرفق والحِلم.
ولا ينبغي أن نجعل سعينا في فعل الأسباب سبباً لحرق صحتنا أو فقدان أخلاقنا. موسى عليه السلام شق البحر بعصا، ومريم عليها السلام أسقطت الرطب بهزّة رقيقة لجذع نخلة باسق. ليس المقصود أن ننتظر المعجزات، بل أن ندرك أن الأسباب تُثمر وتُبارك حين تكون بعيدة عن معصية أو ظلمٍ للنفس أو للآخرين.
ليكن صباحنا أناةً تضيء خطانا، وحِلماً يلين به قلبنا، وحمداً لله الذي يحب هذه الخصال في عباده.